الموضوع غربة ولاية الفقيه في تاريخ الاجتماع السياسي
مما لا شك فيه إن قيام الحكومة الإسلامية وانتصارها في إيران بقيادة الإمام روح الله الخميني (ره) مهد الطريق لطرح وعرض الكثير من الآراء والأفكار والنظريات التي تناولت هذه المسألة...
مما لا شك فيه إن قيام الحكومة الإسلامية وانتصارها في إيران بقيادة الإمام روح الله الخميني "قدس سره" مهد الطريق لطرح وعرض الكثير من الآراء والأفكار والنظريات التي تناولت هذه المسألة بالبحث والتدقيق بعد ما أرست أسسها العملية على شكل دولة أطلق عليها الجمهورية الإسلامية ، فأصبحت هذه الجمهورية حاملة لكافة مكونات النظام الإسلامي العلمية والعملية فظهرت على اثر ذلك مؤسسات ووضعت قوانين ودساتير بدأت تعبر عن المباني العلمية للحكومة الإسلامية فانجلت الصورة عن أبرز مقومات نظام الحكم في الإسلام.
ولعل البحث عن مسألة الغربة التي عاشتها الحكومة الإسلامية هو من النقاط الجديرة بالبحث بالأخص في تاريخنا الإسلامي وتاريخ الحكومات التي حكمت مجتمعاتنا فكان البحث عن الأسباب التي أدت إلى عدم وجود الحكومة وعدم تطبيقها محلا للبحث والتأمل.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن الإمام الخميني "قدس سره" هو أول من تطرق لهذه المسالة عارضا لبعض النقاط والخطوط الكلية التي كانت سببا في غربة هذا النظام على الرغم من البداهة التي يتحلى بها، فالحكومة الإسلامية كانت تعيش في غربة على الرغم من عدم حاجتها إلى دليل لاثباتها أو مبرر لثبوتها بل هي من الضروريات البديهية وهذا ما أشار إليه الإمام الخميني رحمه الله حين قال: ".... ولاية الفقيه من المواضيع التي يوجب تصورها التصديق بها، فهي لا تحتاج لأية برهنة وذلك بمعنى أن كل من أدرك العقائد والأحكام الإسلامية ولو إجمالا وبمجرد أن يصل إلى ولاية الفقيه ويتصورها فسيصدق بها فورا، وسيجدها ضرورية وبديهية ....".
ومع هذا فنحن نلاحظ بوضوح غربة هذه النظرية ووجود الكثير من الأطراف التي عملت على تغييبها وابعادها فما السبب في ذلك.
العوامل التي ساهمت في غربة ولاية الفقيه
كان للعديد من الأسباب والمسائل دورا أساسيا في تغييب هذه النظرية يمكن حصرها في عاملين رئيسيين:
الأول عامل خارجي والثاني عامل داخلي، حيث رسم العامل الأول التوجه العام والخطط التفصيلية التي عمل بها أصحاب المشاريع المخالفة لهذه النظرية سواء تجلى هذا الأمر في الاستعمار السياسي والعسكري ... الذي مارسته بعض الدول ضد الدول الإسلامية أو تجلى في الدور الذي لعبه المفكرين والمستشرقين الذين ساهمت آراؤهم في هدم العقائد الإسلامية وإبعاد النظريات الأساسية عن ساحة التطبيق. أما العامل الثاني فهو الأجواء الداخلية التي حكمت مجتمعاتنا الإسلامي، فلعبت بعض الحكومات دورا سلبيا في التمهيد لتطبيق الشرع والدين وعملت بعض النخب المثقفة على المساهمة في القضاء على الأصول الدينية وكان للحالة الاجتماعية التي وصل إليها مجتمعنا كبير اثر في هذه العملية، لقد تكاتفت هذه الأمور والأسباب وشكلت بداية وبرنامجا للقضاء على نظرية الحكومة الإسلامية، أما النتائج التي تمخضت عنها كل هذه المحاولات فكان: العمل على إلغاء فكرة الحكومة الإسلامية وولاية الفقيه من الأساس ، تشويشها في الأذهان وبث بعض الأمور التي تؤدي إلى عدم وثوق البعض بالحكومة الإسلامية ... وقد تحدث الإمام رحمه الله في مقدمة بحته فقال:
"والسبب في عدم وجود أدنى التفات لولاية الفقيه وفي أنها صارت بحاجة إلى الاستدلال هو الأوضاع الاجتماعية للمسلمين بشكل عام والحوزات العلمية بشكل خاص، وهناك أسباب تاريخية لاوضاعنا الاجتماعية نحن المسلمين ولاوضاع الحوزات العلمية ..."
ثم أشار الإمام "قدس سره" في بحثه بشكل مفصل إلى العوامل الخارجية والدور الذي لعبه اليهود والاستعمار لتغييب هذه النظرية.
العوامل الخارجية
تجلى هذا العامل بالدور الذي لعبه اليهود والمستعمرون الذين عملوا على القضاء على الإسلام من خلال نشر الدسائس الفكرية وتجيير وسائل الإعلام لمصالحهم في تشويه هذه النظرية فحرفوا الحقائق واوجدوا رجالاتهم في المراكز العلمية وثبتوا المستشرقين في كافة الأرجاء والأنحاء فتكاتف هؤلاء لإيجاد الانحراف، ثم إن أول ما تعرضوا له هو ضرورة تشكيل الحكومة الإسلامية والتشكيك في قدرة الدين على إيجاد نظام حكم. يقول الإمام الخميني رحمه الله: " لقد ابتليت النهضة الإسلامية منذ انطلاقتها باليهود فهم الذين شَرَعوا أولا بالدعاية ضد الإسلام وبالدسائس الفكرية ... ولم يكن هدفهم إبعاد الناس عن الإسلام لتقوية النصرانية لان هؤلاء لا يعتقدون بالنصرانية ولا بالإسلام لكنهم وطوال هذه المدة ... شعروا أن الذي يقف سدا أمام مصالحهم المادية ويعرض مصالحهم المادية وقواهم السياسية للخطر هو الإسلام واحكامه وإيمان الناس به ...."
ويمكن الإشارة بشكل مختصر إلى أهم الخطوات التي قاموا بها:
أ : الترويج لفكرة فصل الدين عن السياسة
لقد ساهم عصر النهضة الغربية (القرن 18 الميلادي) في الترويج لفكرة فصل الدين عن السياسة فاعتبر هولاء انه في ظل تطور العلوم التجريبية وتقدم الصناعات فان الإنسان يمكنه الوصول إلى القوانين والأنظمة الحاكمة على السياسة والاقتصاد والثقافة ومسائل الحياة اليومية والاجتماعية من خلال الاندماج في الثورة العلمية هذه، فإذا كان الإنسان يتمكن من الوصول إلى هذه الأمور عبر الوسائل التي روجوا لها فأي حاجة تبقى لتدخل الدين في السياسة.
ثم من اجل الوصول لتحقيق هذه الأهداف كان لا بد من إيجاد مقوماتها من الأشخاص والمفكرين والأسس والمباني العلمية فكانت هناك مجموعة من المؤلفات التي خدمت هذه الفكرة وروجت لها.
وقد أشار الإمام رحمه الله إلى مساعي القوى الاستعمارية هذه قائلا:
"لقد أوحى إلينا المستعمرون أن الإسلام ليس فيه حكومة ولا يمتلك نظام حكم وعلى فرض وجود أحكام فيه فليس لديه سلطة تنفيذية خلاصته أن الإسلام شرع فحسب، ومن الواضح أن هذه الدعايات جزء من مخطط المستعمرين لابعاد المسلمين عن السياسة واساس الحكومة" .
ب : إنكار وجود ولاية الفقيه
روج المستعمرون فكرة أن الحكومة المطلوبة العادلة التي تتمكن من إيجاد نظام عادل لا يمكن أن تتجلى في حكومة الفقهاء، بل من خلال وجود مجالس نيابية واستشارية وما شابه ذلك يمكننا العمل للوصول إلى افضل نظام وقانون وإلى أفضل تطبيق لهذا القانون بحيث لا يبقى أي حاجة للحكومة الدينية، ومن هنا صور هؤلاء ما أطلقوا عليه سلطة الفقهاء بأنها سلطة شخصا نية يعتبر الفرد من أساسياتها وبالتالي لا يمكنها أن تكون السلطة المقبولة من كافة أبناء البشر.
وهنا جاء كلام الإمام رحمه الله الذي أوضح التصور الذي روج له منكري ولاية الفقيه ونبه من مخاطره، فقال:
" إن هذا التصور الخاطئ عن الإسلام الذي يلقى في أذهان عامة الناس والشكل الناقص الذي يعرض فيه الإسلام ... هدفه سلب الخاصية الثورية والحياتية للإسلام ومنع المسلمين من السعي للقيام والتحرك والثورة ومن أن يكونوا متحررين وساعين لتطبيق الأحكام الإسلامية، فكانوا يشيعون مثلا أن الإسلام ليس دينا جامعا فهو ليس دين حياة وليس فيه أنظمة وقوانيين للمجتمع ولم يأت بنظام وقوانيين للحكم ! الإسلام أحكام حيض ونفاس فحسب وفيه بعض التوجهات الأخلاقية أيضا لكن ليس فيه شئ يرتبط بالحياة وإدارة المجتمع.
ج : عمل المستعمرون على الترويج لفكرة أن ولاية الفقيه تمتلك أشكالا وأنواعا مختلفة، وإذا كانت كذلك فلا وجود لتلك النظرية المتكاملة الواحدة التي يمكنها أن تكون النموذج للحكم وهذا الأمر يؤدي في النهاية إلى إيجاد الشكوك لدى المعتقدين بهذه النظرية واعتبارها ناقصة.
د: عمل المستعمرون في الترويج لفكرة فردانية الدين وشخصانيته بمعنى أن الدين عبارة عن علاقة بين الفرد وخالقه ولا يمكن لهذه العلاقة أن تتعدى هذه الدائرة لان الدين هو الوجدانيات التي يرتبط الفرد من خلالها بخالقه بالأخص عند تعرضه للمشكلات والاضطرابات.
ومما تجدر الإشارة إليه أن هذه الفكرة هي التي روج لها أصحاب عصر النهضة الأوروبية في القضاء على نفوذ الكنيسة وعمل عليه كل من عارض وجود نظام حكم إسلامي.
هـ : عمل المستعمرون على الترويج لبعض الإشاعات التي تبعث على فقد الثقة بالحكومة الإسلامية فكان البعض يشير للمتدينين بان السياسة والحكومة والألاعيب السياسية هي من الأمور التي يعتريها الشك والخروج عن الطهارة والنقاء وهذا شئ يعارض روح وجوهر الدين وبالتالي فالأفضل للمتدينين الابتعاد عن الدولة والحكومة ... وتجدر الإشارة إلى انه يمكننا العثور على مصاديق عملية لهذه الفكرة وهذا التوجه في حكومة بني أمية الذين كانوا يشيرون على الأئمة عليهم السلام بان الدين شئ مقدس بينما السياسة لا قداسة لها فالأفضل عدم التلاقي بينهما.
العوامل الداخلية
المقصود من هذه العوامل هي الأجواء التي حكمت المجتمعات والدول الإسلامية وساهمت عن قصد أو غير قصد في إيجاد نوع من الابتعاد عن نظرية الحكم في الإسلام، وقد أشار الإمام رحمه الله إلى هذه النظرية وهذا العامل فقال:
" لقد بينا المخطط التخريبي المفسد للاستعمار والان يجب أن نضيف عليه التأثيرات الداخلية لبعض أفراد مجتمعنا وانهزاميتهم أمام التقدم المادي للمستعمرين ، لقد أحس هؤلاء بالانهزام عندما شاهدوا البلاد الاستعمارية قد حققوا التقدم العلمي والصناعي وجنوا الثروات وانتخبوا الكماليات المختلفة فظن هؤلاء أن الطريق للتقدم الصناعي هو التخلي عن عقائدهم وقوانينهم.
وقد أشار الإمام رحمه الله إلى أهم الأمراض التي ابتليت بها مجتمعاتنا وهي الانهزام أمام ما يقدم لها من الغرب أو من بعض الأفكار والآراء والتيارات التي حكمت الدول الإسلامية، وهنا يمكن الإشارة إلى بعض الخطوات التي ساهمت في غربة ولاية الفقيه على مستوى المجتمعات الإسلامية:
أ : شاعت في بعض المجتمعات الإسلامية بعض الأفكار الالتقاطية وآراء الذين وقعوا تحت تأثير المفاهيم الواردة من خارج المجتمع الإسلامي وكانت السمة البارزة على هؤلاء عدم تخصصهم وعدم اطلاعهم الكافي والصحيح على أساسيات هذا النظام قبل الحكم عليه بقدرته على تشكيل حكومة أو عدم قدرته. وقد تحدث الإمام رحمه الله عن هذا العامل وهذه الخطوة فقال :
"فقاموا بالدعاية والدس ضد الإسلام بمختلف الوسائل ...." أشار إلى بعض الفئات التي وقعت تحت تأثير الدعاية الغربية الاستعمارية فانعكس ذلك على سلوكهم الفكري وشدد الإمام رحمه الله حين تبيينه لهذه الفئات على المثقفين والمفكرين والأشخاص المهتمين بالوضع الثقافي وتابع قائلا: "...فهؤلاء جميعا تكاتفوا حتى صار الكثير من الناس والمثقفين في حالة من الضياع والانحراف عن الصواب اتجاه الإسلام ..."
ب : ساهم البعض في الترويج لبعض الأفكار المعادية للحكومة الإسلامية أو التي تبعث على عدم تمسك المسلمين بها كعدم قيام القدماء بإفراد أبحاث خاصة بها وعدم تناولها بشكل مفصل وكان هذا الأمر مقدمة لإنكارها بشكل كلي من دون تحقيق وتأمل في ضرورتها والأسباب الموجبة لها، وحاول بعض المفكرين التأكيد على بعض الروايات التي رفضت هذه الفكرة.
ج : انتشرت في بعض البلدان الإسلامية بعض المؤلفات والكتابات التي لعبت دورا سلبيا في تقديم الحكومة الإسلامية فخلت عن إبراز المفاهيم والحقائق المرتبطة بها، وبدل أن تساهم هذه الكتابات في تسليط الأضواء على حقائق الأبحاث العلمية وبدل أن تنتهج الأسلوب العلمي في الوصول إلى الحقائق عملت على نشر الشائعات والادعاءات التي ينقصها الاستدلال العلمي الصادق فأعطت فكرة سلبية عن الحكومة الإسلامية ودورها.
د : سوء التطبيق الذي عايشه الناس للأنظمة التي تدعي الحكم باسم الإسلام فالذين لم يعهدوا من بعض الحكومات الإسلامية إلا الجور والاستبداد فبمجرد سماعهم لاسم الدولة يتبادر إلى ذهنهم ذاك النوع من الحكومات ، وبالتالي فان سوء التطبيق هذا ساهم في رفض الكثيرين لفكرة وجود الحكومة الإسلامية، ومما لا شك فيه فان الاستعمار والأنظمة التي تعمل على طمس المعالم الحقيقية للحكومة الإسلامية كان لها دورا بارزا في هذه المسالة.
هـ : رفض فكرة الحكومة الإسلامية وعمل على عدم تطبيقها بعض المتمسكين بعقيدة الحريات الفردية المطلقة التي لا تحد بحدود، وبما أن الأصل هو الحرية المطلقة وبما أن الدولة والنظام يقيدان الحريات وبما أن الحكومة الإسلامية تشتمل على مجموعة من القوانيين التي تنظم حياة المجتمع والفرد وتحكم العلاقة بينهما فالحكومة الإسلامية مرفوضة بنظرهم ولا يمكنهم قبولها، يضاف إلى هؤلاء مجموعة من الأشخاص الذين تزول مصالحهم مع وجود نظام عادل هؤلاء الذين تتأمن مصالحهم في ظل غياب القانون والحكومة ...
لقاء سياسي
ندوة ثقافية في قاعة مدارس الإمام المهدي
ندوة ثقافية بولادة نبي الرحمة
محاضرة بولادةنبي الرحمة
محاضرة بعيد الغدير 
